/ الفَائِدَةُ : (46) /
19/04/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / مَنْهَجُ استكشاف المعاني ونظامها مَنْهَجٌ مُهِمٌّ جِدّاً / إِنَّ مَنْهَجَ اِستكشاف المعاني ونظامها ، ومَنْهَج الصِّلة المعنويَّة من وراء الأَلفاظ في أَبواب المعارف مُهِمٌّ جِدّاً ، فإِنَّ التَّعابير الواردة في بيانات الوحي : جُمَلٌ ومَحَاوِرٌ ومعادلات محوريَّة ، لها قوالب وأُطر؛ واردة ضمن فقرات وطيَّات جُمَل مختلفة . مثاله : الزيارة الجامعة الكبيرة ؛ فإِنَّها تنقسم بنحو إِلى أَربعة أَقسامٍ ومَحَاوِرٍ، وبنحو آخر إِلى ثمانية، و ثالث إِلى عشرة ، ورابع إِلى إثني عشر، وهذه التَّقسيمات والمَحَاوِر موضوعيَّة عِلْمِيَّة ومَعْرِفِيَّة ، فإِذا لاحظ الباحث هذه الزيارة بهذه النَّظرة المنظوميَّة ونظر إِلى المعنىٰ ـ بقطع النَّظر عن جنبة اللَّفظ ونغمة الصَّوت ـ فستحصل لديه لا محالة يقظة عِلْمِيَّة ومَعْرِفِيَّة ؛ لأَنَّ ما تعرَّضت إِليه من مَحَاوِرٍ وتسلسلٍ اِسْتِنْتَاجَيٍّ موجود بقوالبه ومعادلاته وأُطره بقوالب ومعادلات وأُطر قريبة المخرج في سائر بيانات الوحي الْأُخْرَى لاسيما بيانات الزيارات. وهذه الْخَاصِّيَّةُ المنظوميَّةُ : نظام قواعد ومعادلات وبنود لیست موجودة في زَمَانٍ خاصٍّ من أَزمنة الأَئِمَّة المعصومين عليهم السلام ، بل شاملة لسَّائر أَزمنة التَّشريع الْإلَهِيّ . وهذا المنهج نوع اِنتباه للنظام المعنوي في معلومات أَبواب المعارف ، وهو منهج اِكتشاف المعاني أَو منهج نظام المعاني وراء الأَلفاظ في أَبواب المعارف ، فأَلفاظ الرواية وإِنْ كانت مُقدَّسة وعظيمة ، لكن حبس الباحث والْمُسْتَنْبِط نفسه على سطحها يجعله جموديّاً وقشريّاً وحشويّاً وظاهريّاً ، وصاحب سفه سطحي ، بخلاف الدراية ؛ فإِنَّها تعني : مضمون الرواية العرفي وتَبَطُّن المعاني ، فلذا وردت في بيانات الوحي عند جميع فرق المسلمين ضابطة قطعيَّة ومُسلَّمة لاِعتبار الرُّواية وحُجِّيَّتها ، وهي ليست نقل الثِّقة ، ولا العدول ، ولا كون أَلفاظها ظاهرة وصريحة ، بل العرض على محكمات الكتاب والسُّنَّة ، وليس المراد العرض على أَلفاظ الكتاب الكريم والسُّنَّة الشَّريفة ، بل على مجموع نظام معاني الكتاب الكريم والسُّنَّة الشَّريفة ، فإِذا استطاع الباحث والْمُسْتَنْبِط اِستكشاف نظام ومنظومة معاني المعارف في القرآن والسُّنَّة القطعيِّين تمكَّن من عرض وموازنة أَيّ رواية عليه ، بعد ملاحظة الصِّلة بينها وبين الكتاب الكريم والسُّنَّة الشَّريفة ، فإِذا وجدها مطابقة لذلك المضمون والنِّظام والمنظومة المعرفيَّة أَخذ بها وإِنْ كانت ضعيفة السَّند . لكن : الاِلتفات إِلى الصِّلة المعنويَّة يراد له دراية خاصَّة وصعبة وغور عميق . ولكَ أَنْ تقول : إِنَّ حُجِّيَّة متون الأَدلَّة ومضامينها في أَبواب المعارف لا سيما أَبواب العقائد لا تقوم بالتَّعَبُّد بالسَّند والبُعْدِ الظَّنِّي ، وإِنَّما بالبُعْدِ الْعَقَلِيِّ ، فَبَعْدَ تدرُّب وتمرُّس الباحث والْمُسْتَنْبِط في المدارس البشريَّة ينطلق ليسبح ويغوص في أَعماق بحور بيانات الوحي الْعَقَلِيَّة والْمَعْرِفِيَّة غير المتناهية . وهذا ما دعت إِليه وأَكَّدت وحثَّت عليه بيانات الوحي الإِلٰهيّ الشَّريف الوافرة الباهرة ، منها : 1ـ بيان قوله تقدَّس ذكره : {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } (1)(2) . فـ : (التلاوة) ـ المُشار إِليها في بيان قوله تقدَّس ذكره : { يَتْلُو عَلَيْهِمْ } ـ : إِشارة إِلى الْعِلْمِ الْنَّقْلِيِّ الْحِسِّيِّ ، وهو مُقدِّمة . وضرورة (التَّعَلُّم) ـ المُشار إِليها في بيان قوله تقدَّس ذكره : {وَيُعَلِّمُهُمُ }(3) ـ : إ ِشارة إِلى الفهم الْعَقَلِيِّ لموارد الوحي ؛ لتحصيل الْعِلْم واليقين والبرهان الوحياني ، وهو ذو المُقدِّمة والغاية الأَسْمَىٰ ، الَّذي هو فحوىٰ مفاد المُعجزة . فانظر : بيان قوله عزَّ قوله : {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ * اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} (4)(5) . ودلالته واضحة على أَنَّ المعاجز ـ كمعجزة القرآن الكريم ، وهي الأَعظم ـ ، بل والكرامات الإِلٰهيَّة تُورِث لِـمَنْ تأَثَّر بها : الْعِلْم واليقين والبرهان الوحياني . وبالجملة : أَحد تعاريف المُعجزة : أَنَّها عبارة عن بزوغ وبروز لمعان أَشعَّة أَنوار غيبيَّة مهولة ؛ إِمَّا في القُدرة ، أَو في آيةِ كمالٍ غيبيٍّ رهيبٍ ؛ تنتشل بسرعة مَنْ يرىٰ من خلالها لمعان أَنوارِ غيبٍ عظيمةٍ ، ومن ثَمَّ تحصل له حالة إِخبات دفعيّ قهريّ ، تتضعضع بسببها أَعماق ذاته وكافَّة قواه ؛ فيسجد لباعثها تذلُّلاً ، كما حصل ذلك لسحرة بني إِسرائيل . فانظر : بيان قوله تعالىٰ : {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ * فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ * فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ * قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ } (6). وهذه نفس فائدة البرهان ؛ فإِنَّه يُخرج الطرف من ساحة الْفِكْرِ إِلى تجلِّيات في الْفِطْرَة ، فإِذا شاهد العظمة خبت . إِذَنْ : المعجزة الإِلٰهيَّة خطاب إِلهيّ مباشر؛ ومن دون واسطة من اللّٰـه عزَّوجلَّ مع خلقه . 2ـ بيان قوله جلَّ قوله : {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }(7)(8) . فـ : (النفر) : إِشارة إِلى مرحلة الرُّواية ؛ والْنَّقْلِيِّ الْحِسِّيِّ ؛ وهو مُقدِّمة . و (التَّفقُّه) ـ المُشار إِليه في بيان قوله جلَّ قوله : {لِيَتَفَقَّهُوا} ـ وهو : الفهم(9) : إِشارة إِلى الفهم الْعَقَلِيِّ لمضامين متون بيانات الوحي في المرحلة الثانية ، وهو : ذو المُقدِّمة ؛ والغاية الأَسْمَىٰ ؛ المُشار إِليها بلام الغاية : {لِيَتَفَقَّهُوا }(10) . 3ـ بيان قوله جلَّ جلاله : { إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا }(11) . وتقريب الدلالة واضح ؛ فإِنَّه مع عدم تماميَّة السَّند ونسبة الصُّدور ـ إِذ بحسب ما فرضه بيان الآية الكريمة أَنَّه خبر فَاسِقٌ ـ ، ومع عدم صحَّة طرحه، أَو الأَخذ به بعماية هناك مسلك ثالث أَوصىٰ به بيان الآية الكريمة وأَوجبه ، وهو : (فحص المتن والمضمون ، والتَّبيُّن منه). وهذه التَّوصية الوحيانيَّة دالَّة على أَنَّ الأَساس والعُمدة والرُّكن الرَّكين في حُجِّيَّة الْخَبَرِ والأَخذ والعمل به هو : (تبيُّن المتن والمضمون). نعم ، السَّند المُعتبر معاضد لحُجِّيَّة الْخَبَرِ، لكنَّ الرُّكن الرَّكين والعُمدة فيها هو : (حُجِّيَّة المتن والمضمون). 4ـ بيان قوله جلَّ وعلا : {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ }(12) . ودلالته واضحة ؛ فإِنَّ مضمونه نفس مضمون بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « خُذِ الحِكْمَة مِمَّن أَتاك بها ، وانظر إِلى ما قال ، ولا تنظر إِلى مَنْ قال »(13)؛ فإِنَّ الأَساس ينبغي أَنْ يكون النَّظر إِلى المتن والمضمون . 5ـ بيان قوله علا ذكره : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ}(14) . فإِنَّه برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ أَيضاً على أَنَّ المركز وقطب مرجعيَّة الفقيه والباحث والْمُسْتَنْبِط وطالب الحقيقة ينبغي أَنْ يكون نظره إِلى المتن والمضمون ؛ فإِنَّ المُحْكَمَات صارت كذلك ليس من جهة سندها وصدورها ، وإِنَّما من جهة متنها ومضمونها . وهذا البيان الوحيانيُّ من البيانات والبراهين القرآنيَّة العظيمة المُبيِّنة لهذا المنهج المعرفيّ الخطير والدالَّة عليه . 6ـ بيان خُطْبَة سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «نضّر اللّٰـه عبداً سمع مقالتي فوعاها ؛ وبلِّغها مَنْ لم يسمعها ، فكم من حامل فقه غير فقيه ، وكم من حامل فقه إِلى من هو أَفقه منه ...»(15). 7ـ بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : «همَّة السُّفهاء الرواية ، وهمَّة العلماء الدراية»(16). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة ؛ فإِنَّ المراد من عنوان : (السُّفهاء) المأخوذ في هذا البيان الإِلٰهيّ الشَّريف : مَنْ يتعامل مع بيانات الوحي بسطحيَّة ، وعدم رشد ، وعدم غور؛ فيقتصر على صدور الرُّواية وأَلفاظها. 8 ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : «عليكم بالدرايات لا بالروايات»(17). 9ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : «اعقلوا الخبر إِذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية ؛ فإنَّ رواة الْعِلْم كثير ورعاته قليل»(18). 10ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : «... وترككَ حديثاً لم تروه خير من روايتكَ حديثاً لم تحصه ، إِنَّ على كُلِّ حَقٍّ حقيقة ، وعلى كُلِّ صوابٍ نوراً، فما وافق كتاب اللّٰـه فخذوا به ، وما خالف كتاب اللّٰـه فدعوه» (19). 11ـ بيان الإِمام الباقر مُخاطباً ولده الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما : «يا بُنَيَّ، اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ؛ فإنَّ المعرفة هي الدراية للرُّواية ، وبالدرايات للرُّوايات يعلو المؤمن إِلى أَقصى درجات الإِيمان ، إِنِّي نظرتُ في كتابٍ لِعَلِيٍّ عليه السلام فوجدتُ في الكتاب : أَنَّ قيمة كُلّ امرئٍ وقدره معرفته ، إِنَّ اللّٰـه تبارك وتعالىٰ يُحاسب النَّاس على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدُّنيا»(20). 12ـ بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : «رواة الكتاب كثير، ورعاته قليل ، فكم من مستنصحٍ للحديث مستغش للكتاب ، والعلماءُ تحزنهم الدراية ، والجهَّال تحزنهم الرواية»(21). 13ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : «حديث تدريه خير من أَلفٍ ترويه ، ولا يكون الرَّجُل منكم فقيهاً حتَّىٰ يعرف معاريض كلامنا ...»(22). ودلالته ـ كدلالة سوابقه ـ واضحة على ضرورة الدراية بمتن ومضمون الرُّواية ، وعدم صحَّة واعتبار وحُجِّيَّة منهج الْاِقْتِصَار على مُجَرَّد الرُّواية . 14ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : «إِذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب اللّٰـه ، فما وافق كتاب اللّٰـه فخذوه ، وما خالف كتاب اللّٰـه فذروه ...»(23). ودلالته واضحة أَيضاً ؛ فإِنَّه تعرَّض لأَعظم ضابطة وردت في بيانات الوحي الإِلٰهيّ الشَّريف ، وهي ضابطة مضمونيَّة . وهذه الضَّابطة ترجمان عَمَلِيٌّ عَمَلِيٌّ لبيان حديث الثقلين . ومعناها : قراءة عقليَّة برهانيَّة صناعيَّة ، لمضامين الرُّوايات المتعارضة ، وعرضها على مُحْكَمَات الكتاب الكريم والسُّنَّة الشَّرِيفَة ؛ مِنْ خلال الاِستعانة ببديهيَّات بيانات الوحي ، وهذا يعني : أَنَّ الرُّكن الأَساسي في الرُّوايات : المضمون دون السَّند . فتأَمَّل جيداً . وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الجمعة : 2 . (2) يجدر الاِلتفات : أَنَّه يجب على مَنْ يُريد استيضاح بيانات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ المُفسِّرة لآية من آيات القرآن الكريم فلا يخدعنَّه الفحص بمراجعة تفسير أَو تفسيرين ، بل عليه التَّيقُّظ والتَّفطُّن إِلى موارد وجود هذه الآية بأَلفاظها أَو بما يُقارب أَلفاظها ومعانيها في بيانات الوحي الأُخرىٰ ، وعليه أَيضاً أَنْ لا يُراجع مصدراً واحداً من مصادر التَّفسير، بل عِدَّة مصادر . وبالجملة : باب الفحص والتَّنقيب العلمي باب واسع وشاسع جِدّاً، ومن ثَمَّ لا ينخدع الباحث بدرجةٍ من الفحص والتنقيب ، ولا بدرجةٍ من التَّفكير والتَّأمُّل ، وإِذا ظَنَّ أَن ما توصَّل إِليه هو الذروة ورأس الهرم فليعلم أَنَّه أَرتطم بغفلةٍ شنيعةٍ وجهالةٍ كبيرةٍ ؛ فإِنَّ ما توصَّل إِليه بالضرورة الوحيانيَّة والعقليَّة لا بُدَّ أَنْ يكون متناهياً ومحدوداً ، ومعاني وحقائق بيانات الوحي غير متناهية ولا محدودة أَبداً بالضرورة الوحيانيَّة والعقليَّة أَيضاً ، ولا توجد نِسبة رياضيَّة بين المحدود وغير المحدود ؛ فإِنَّه دائماً إِذا قيس المحدود إِلى غير المحدود كان لا شيء وصفراً على جهة الشِّمال ، وإِلَّا لانقلبت ماهيَّة غير المحدود وكانت متناهية ومحدودة ، وبطلان انقلاب الماهيَّة من الواضحات، بل هو خُلف الفرض . (3) الطريقة التعليميَّة السَّارية عليها بيانات الوحي في إِيصال المعلومة للطرف هي : التَّدرُّج في التَّعليم وعلى مراحل . (4) القصص: 31 ـ 32. (5) لا بأس بالاِلتفات : أَنَّه لا توجد لقطة في القرآن الكريم إِلَّا وتصبّ في ذكر اللّٰـه تقدَّس ذكره وخشيته وخشوعه. (6) الشعراء: 41 ـ 51. (7) التوبة: 122. (8) ينبغي الاِلتفات : أَنَّ القرآن الكريم هو: دستور اللّٰـه الخالد ، لكنَّ دستوريَّته وخلوده ومُؤدَّاه وفائدته وخطره وعلومه وعقائده ومعارفه لا تختصُّ في هذه النَّشأَة الأَرضيَّة ، ولا يُخاطب به الجنّ والإِنس فحسب ، بل شاملة لجملة العوالم وكافَّة المخلوقات ؛ لأَنَّه من الدِّين ، وهو شامل للجميع، ومِنْ ثَمَّ خطاباته الواردة بلسان : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } شاملةٌ لكافَّة المؤمنين ، منهم : جملة الملائكة عليهم السلام ، فلذا ورد في بيانات الوحي : «أَنَّ الملائكة، منهم المُقَرَّبين ـ كـ: جبرئيل وإِسرافيل وميكائيل عليهم السلام ـ حينما ينزل وحي القرآن الكريم على سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله يتعلَّمون منه صلى الله عليه واله ذلك القرآن المُنَزَّل» . (9) ينبغي الاِلتفات : أَنَّ (الفهم) : أَمرٌ غيبيٌّ ، صادر من عوالم غيبيَّة صاعدة ، تتحكَّم فيها طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ، ومرتبتها فوق عَالَم الآخرة الأَبديَّة ، وهي فوق عَالَم السَّماوات السَّبع بعوالم ومراتب ، والكلُّ من عوالم الأَجسام . (10) يجدر الاِلتفات في المقام إِلى الأُمور الأَربعة التَّالية : الأَوَّل : أَنَّ المعرفة الإِلٰهيَّة ناموس مُقدَّس ، والسعي إِليها ناموس مُقَدَّس أَيضاً يقضُّ مضجع فِطَر المخلوقات . الثَّاني : أَنَّ أَعظم نِعَم اللّٰـه الواردة في بيان قوله تعالىٰ : {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: 18] النِّعَمُ الْمَعْرِفِيَّةُ والمعنويَّةُ ، وليست البدنيَّة . الثَّالث : أَنَّ أخطر قلعة يغير عليها العدو : قلعة الفِكْر والرؤية الْعَقَائِدِيَّة ؛ فإِنَّ أَمكنه زحزحة المخلوق عن الورع في العقيدة فسوف يتنجَّس باطنه وظاهره بكُلِّ نجاسةٍ ورجاسةٍ . ثُمَّ إِنَّ أَطهر الطهارات في التَّعَقُّل . الرابع : أَنَّ التكليف في العوالم اللاَّحِقَةِ لا ينقطع ، بل يزداد ويشتدُّ ، وهو شامل لكافَّة المخلوقات. (11) الحجرات: 6. (12) الزمر: 17 ـ 18. (13) غرر الحكمة، 1: 394. ميزان الحكمة، 6: 485. كنزل العمَّال /42218. (14) آل عمران: 7. (15) بحار الأَنوار، 2: 148/ح22. (16) بحار الأَنوار، 2: 160/ح13. (17) المصدر نفسه: 160/ح12. (18) المصدر نفسه: 161/ح21. (19) المصدر نفسه: 165/ح25. (20) بحار الأَنوار، 2: 184/ح4. (21) المصدر نفسه: 161/ح14. (22) المصدر نفسه: 184/ح5. (23) المصدر نفسه: 235 / ح20